محمد صلاح يضرب ثانية
بين عزبة الهجانة و مدينة الرحاب
كتب محمد صلاح
حوالي خمسة كيلو مترات فقط تفصل ما بين عزبة الهجانة ومدينة الرحاب، بين كيان عشوائي نشأ علي الجانب الأيمن لطريق القاهرة - السويس، وامتد في العمق تحت سمع وبصر كل المسئولين وبين المدينة التي تأسست علي يمين الطريق نفسه أيضاً، ولكن وفقاً لتخطيط دقيق ودراسات وافية، إلا أن المهم أن سلوك الأجهزة التنفيذية كان واحداً في "العزبة" و"المدينة". تركت الحكومة أو الحكومات المتعاقبة الأهالي اليائسين من العثور علي سكن ملائم يحلون مشاكلهم بأنفسهم فبنوا دون تخطيط، وكالسرطان انتشر البناء العشوائي حتي صارت منطقة الهجانة نموذجاً يكشف كيف تم عشوءة البلد، وفي المقابل باعت الحكومة الأرض لمجموعة طلعت مصطفي (بغض النظر عن مسألة سعر الأرض قبل وبعد وصول الخدمات لها)، وتُركت الشركة ترسم وتخطط وتبيع حتي صارت مدينة الرحاب نموذجاً للأحياء السكنية المتكاملة خارج حيز المدينة المزدحمة، خلعت الحكومة يدها وتركت الأهالي في العزبة يتصرفون كما يحلو لهم في ظل أزمة اقتصادية وفقر شديد يعانون منه، وتركت الحكومة أيضاً مجموعة طلعت مصطفي التي ربحت المليارات من أموال الناس تدير مدينة الرحاب كما يحلو لها ويحقق للمجموعة المزيد من الأموال والأرباح دون رقابة أو إشراف، أو حتي اطمئنان علي سلامة السكان وأمنهم.
وفي مناسبات بعينها كمواسم الانتخابات وجدت الحكومة نفسها مضطرة لتقديم الخدمات لسكان العشوائيات والمناطق المخالفة، فأمدتهم بالكهرباء والماء دون أن تحسن من ظروفهم المعيشية، فقط كانت تحتاج أصوات المقيمين هناك، وكذلك حين أرادت مجموعة طلعت مصطفي أن تتوسع بمدينة الرحاب كان سهلاً أن تنال قطعة أرض أخري لتمتد وتتوسع دون أن تسأل الحكومة نفسها كيف حال سكان الرحاب الآن؟ وما مدي التزام الشركة بالحفاظ علي حياة السكان وعدم ابتزازهم واستنزاف مواردهم؟ كان طبيعياً أن يزيد أهالي عزبة الهجانة من التوسع العشوائي بعزبتهم وكان منطقياً أيضاً أن تزيد مجموعة طلعت مصطفي من تعنتها وابتزازها لسكان مدينة الرحاب، طالما أن القانون غائب والأجهزة التنفيذية علي "طناشها"!! فجأة وجدت الحكومة أن أبراجاً شيدت في عزبة الهجانة دون تراخيص وأنها تمثل تهديداً علي الناس هناك، وبعدما قاربت الأبراج علي الانتهاء بدأت محافظة القاهرة في هدمها.
والمؤكد أن الأحوال داخل مدينة الرحاب ولجوء مجموعة طلعت مصطفي إلي البناء في المساحات الخالية وتعمد إخفاء المخطط الأساسي، وتحقيق أرباح بالمليارات، كما جاء في رسالة بعث بها إلي عدد من الملاك أكدوا أنهم وجهوا إنذارات قانونية إلي جهاز المدينة دون جدوي، وذكروا أن مجموعة طلعت مصطفي أقامت مشروعات تجارية علي المرافق والمساحات الخضراء، وحصلت علي العائد منها، ونبهوا إلي أن المجموعة ترفض حتي الآن تسجيل الوحدات لأصحابها بالمخالفة لبنود العقود مع السكان، ولأن المجموعة لم تجد رادعاً فإنها زادت من ابتزازها للسكان وبعدما "لهفت" أموالهم فرضت إتاوة مالية قدرها 8٪ من قيمة الوحدة إذا ما أراد أصحابها إعادة بيعها للغير!! وأكد السكان في رسالتهم أن مجموعة طلعت مصطفي ترفض بشدة أي مشاركة للملاك في إدارة مدينة الرحاب، وأنها تترك البوابات مفتوحة ليل نهار للزوار وسكان الأحياء المجاورة، ما يعرض مرافق المدينة للتلف ثم تعود المجموعة لتطالب الملاك بدفع مصروفات صيانتها!! أما سكان شارع عمرو بن العاص القريب من منطقة المطاعم في مدينة الرحاب فحالهم حال، وكتبت عنه من قبل، والشارع تحول إلي مسرح للتحرش وحوادث الطرق وسباقات الموتوسيكلات والسيارات وأصبح يهدد حياة السكان وينذر بكارثة كبيرة.
ويبدو أن الأجهزة التنفيذية في الحكومة تنتظر الكارثة كي تتحرك تماماً كما غابت لسنوات ثم صحت فجأة لتهدم أبراج عزبة الهجانة. إنه السلوك العشوائي نفسه في التعامل مع العزبة والمدينة. "الطناش التام"، و"أبجني تجدني"، و"فتح عينك تاكل ملبن".
لكن أكثر ما يلفت الانتباه عند المقارنة بين "العزبة" و"المدينة" أن سكان الهجانة الفقراء وسكان الرحاب الميسورين يعانون رغم أن سكان الهجانة من بين آلاف الغلابة الذين منحوا أصواتهم إلي اثنين من أصحاب مجموعة طلعت مصطفي، أي إلي الشقيقين هشام وطارق اللذين أصبحا نائبين بأصوات الفقراء.
ويؤكد سكان الرحاب أن الأحوال كانت أفضل كثيراً قبل دخول هشام إلي السجن حيث كان يشرف بنفسه علي الأوضاع في المدينة وأن شقيقه ترك لمساعديه مهمة متابعة الأحوال فساءت وأصبح السكان يعانون إرهاباً من المجموعة، وكذلك من الصيع والبلطجية الذين وجدوا في الرحاب مأوي لهم وحياً مناسباً لممارسة كل سلوك خارج القانون. هكذا أثبتت الأحداث في عزبة الهجانة والأوضاع في مدينة الرحاب العبارة التي صارت دارجة: "لا الفقير مرتاح ولا اللي معاه فلوس مرتاح في البلد دي".
|