عام هجري سعيد إن شاء الله وأمنية في مقالة
بداية كل عام وكلنا بخير بمناسبة رأس السنة الهجرية
وهذه هي تهنئتي الثانية بصورة عملية وهي عبارة عن مقالة متعقلة للمهندس محمد الصاوي مؤسس ساقية الصاوي نشرت بجريدة المصري اليوم ورأيت فيها أمنية أتمنى أن تتحقق .
أين الحكمة؟
تجربة سويسرا الأخيرة تؤكد من جديد غياب الحكمة عنا وعن الكثيرين ممن يشتركون معنا فى تصنيف الدول المراهقة.
فقد أعجبنى موقف المسلمين فُرَادَى وجماعات فى المرحلة الأولى حينما بدأت الحملة ضد المآذن الإسلامية وانتهت إلى ضرورة إجراء استفتاء عام لاتخاذ قرار شعبى ديموقراطى يمنع إقامة المزيد من المآذن أو يسمح باستمرار إلحاقها بالمساجد التى تبنى فى سويسرا. العقلاء من المسلمين رفضوا الفكرة من البداية لأنها تقوم على أساس تمييز عنصرى يتنافى مع كل القواعد الإنسانية ومبادئ ومواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم التى استقرت فى كل أنحاء العالم وبدأنا نتجاوزها إلى مشكلات أعقد وأصعب.
المنطق -فى حالة تخطيط المدن- يقبل أو يرفض وفقًا لمعايير بصرية معمارية أو طبقًا للاستخدام، فالمئذنة يمكن رفضها فى سويسرا لو مَثَّلَتْ تنافرًا مع الأطر المعمارية التى تعلو وسطها، والحل فى هذه الحالة يكون فرض اشتراطات معمارية تتعلق بالطرز والمواءمة والتجانس البصرى وما إلى ذلك مما برع فيه الأوربيون القدامى والمعاصرون، والخلاف على الوظيفة وارد، كَأَنْ يُرْفَضَ رفع الأذان منها لأنها تزعج غالبية المواطنين من غير المسلمين لصالح نسبة المسلمين التى تتجاوز ثلاثة أو أربعة فى المائة على أقصى تقدير.
قبل إجراء الاستفتاء كانت التحركات والاعتراضات الرسمية محدودة جدًّا، تمامًا كما يحدث حينما ينبهنا أحد المفكرين أو المتخصصين إلى خطورة تسرب المياه داخل الشقوق الجبلية فلا يتحرك أحد حتى تنهار ونثور جميعًا طلبًا لمحاسبة المخطئ.
لا ينزعج البسطاء لخروج صغارهم إلى الطريق العام قبل أن يدركوا مخاطر الطريق ويتم تدريبهم على الخطوات الصحيحة لعبور الشارع، ويشقون ملابسهم ويلطمون خدودهم ويحطمون زجاج السيارة التى تدهس بغير ذنب هذا الصغير الذى يستحيل رؤيته بين الأوتوبيسات وسيارات النقل والميكروباص والتوك توك.
نعود إلى سويسرا حيث جرت وقائع القضية التى نحن بصددها الآن، الآن وبعد ظهور نتيجة الاستفتاء برفض إقامة أى مئذنة جديدة داخل سويسرا عقدت الاجتماعات الغاضبة، وصدرت البيانات الانفعالية، وخرجت الحركات الجماهيرية فى مظاهرات واعتصامات ومبادرات على كل شكل ولون. ولجأنا إلى القانون، ورفعنا القضايا، وأطلقنا التحذيرات والاتهامات الاستفزازية، طالب الكثيرون بالاندفاع المعتاد فى مثل هذه الأحوال بمقاطعة سويسرا "واللى جابوا سويسرا" وما تنتجه سويسرا، من الآن.. لا شوكولاته، ولا دواء، ولا ساعات، ولا رحلات إلى الجبال والبحيرات، وعلى كل من يملك المطواة السويسرية الشهيرة أن يسرع بالتخلص منها قبل أن يتهم بمعاداة المسلمين. "تانى" متى يا سادة يا مسلمون يا قُرَّاءَ القرآنِ نقرأ القرآن ونعى ما فيه؟ فى سورة البقرة: "يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرًا كثيرًا وما يَذَّكَّر إلا أولو الألباب"، وفى سورة النحل: "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن..." الحكمة تقضى باتخاذ المواقف والقدرات فى ضوء الفكر والمعلومات المؤكدة ورؤية حقيقية للمستقبل، كل هذا فى إطار القيم الإنسانية الأربعة المتعارف عليها، وهى الحق والعدل والخير والجمال، فأين الحكمة فى كل ما رصدته وسجلته أجهزة الإعلام ومواقع الإنترنت؟ غضب شديد ورفض بات وَبُعْدٌ كامل عن الحكمة التى تخلينا عنها جميعًا وارتحنا منها منذ زمن طويل.
أما وقد أضعنا فرصة الاعتراض القانونى المنظم لكافة المنظمات والمؤسسات الإسلامية والعربية قبل إجراء الاستفتاء لإيقافه، فقد كان لزامًا علينا أن نتأمل النتيجة ونحللها قبل إطلاق قذائف المقاطعة والتوبيخ بغير حكمة. النتيجة التى أُعْلِنَتْ سَجَّلَتْ أن 43% من الأصوات عارضت وقف إنشاء المآذن أو بمعنًى أَصَحَّ أَيَّدَتْ استمرارها، وهى بلا شك نسبة لا يستهان بها، ولا شك أنها بعد ردود أفعالنا الهوجاء تراجعت إلى النصف أو أدنى.
كان الأولى بنا أن نعلن تقديرنا الكامل لهذه الأقلية الكبيرة التى حرصت على احترام هذا الرمز الدينىّ ومشاعر المسلمين على ندرتهم فى هذا البلد.
أثق تمامًا فى أن هذا الموقف لو أُعْلِنَ بوقار وهدوء بعد إعلان النتيجة لكان سيؤدى إلى احترام الجميع، وأعنى الجميع على رأى السادات -رحمه الله- حينما قال عقب إعلان إحدى النتائج: إنه فى خدمة الجميع: من قالوا نعم، ومن قالوا لا.
لو فعلنا هذا لكنا كسبنا هذه الجولة تمهيدًا للدعوة إلى استفتاء جديد، ربما بعد عشر سنوات، وهى مدة محدودة جدًّا فى عمر الشعوب والحضارات وعمارة المدن.
البديل هو ما فعلناه من احتجاجات مهذبة وأخرى غير لائقة كانت نتيجتها خسارة نسبة من المؤيدين وتصاعد حدة الصدام ليشمل منع الحجاب فى الأماكن العامة، ومنع بناء المقابر الإسلامية، وغير ذلك من أشكال التمييز العنصرى.
الحكمة هى الحل، جربوها ولن تخسروا شيئًا، فقد خسرنا الكثير بتركها.
محمد عبد المنعم الصاوى
|